للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيهِمْ فَرِحُونَ﴾ أي: يفرحون بما هم فيه من الضلال؛ لأنهم يحسبون أنهم مهتدون؛ ولهذا قال متهددًا لهم ومتوعدًا: ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ﴾، أي: في غيهم وضلالهم ﴿حَتَّى حِينٍ﴾، أي: إلي حين حينهم وهلاكهم، كما قال تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيدًا (١٧)﴾، وقال تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣)﴾.

وقوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، يعني: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعمهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا؟! كلا، ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: ﴿نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)﴾، لقد أخطأوا في ذلك وخاب رجاؤهم، بل إنما نفعل بهم ذلك استدراجًا وإنظارًا و إملاء؛ ولهذا قال: ﴿بل لا يشعرون﴾، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥)﴾.

وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾. وقال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ (٤٥)﴾ وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (١٢) وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (١٦)﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (٣٧)﴾. والآيات في هذا كثيرة.

قال قتادة في قوله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)﴾ قال: مُكِرَ والله بالقوم في أموالهم وأولادهم، يا بن آدم، فلا تعتبر الناس بأموالهم وأولادهم، ولكن اعتبرهم بالإِيمان والعمل الصالح.

وقال الإِمام أحمد (٣٧): حدثنا محمد [بن عبيد، حدثنا أبان بن إسحاق، عن الصباح بن محمد، عن مرة الهمداني] [١]، حدثنا عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : "إن الله قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمنَ جاره بوائقه". قالوا: وما بوائقه يا نبي الله؟ قال:


(٣٧) المسند (١/ ٣٨٧).