للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ابن إبراهيم بن عمر بن كيسان، حدثني وهب بن عمر بن كيسان قال: حبس وهب بن منبه، فقال له رجل من الأبناء: ألا أنشدك بيتًا من شعر يا أبا عبد الله؟ فقال وهب: نحن في طرف من عذاب الله، والله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾. قال: وصام وهب ثلاثا متواصلة، فقيل له: ما هذا الصوم يا أبا عبد الله؟ قال: أحدث لنا فأحدَثْنا. يعني: أحدث لنا [الحبس فأحدثنا] [١] زيادة عبادة.

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾. أي: حتى إذا جاءهم أمر الله، وجاءتهم الساعة بنتة، وأخذهم من عقاب الله ما لم يكونوا يحتسبون، فعند ذلك أبْلَسُوا [٢] من كل خير، وأيسوا من كل راحة، وانقطعت آمالهم ورجاؤهم.

ثم ذكر تعالى نعمته على عباده في أن جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وهي العقول والفهوم، التي يدركون بها الأشياء، ويعتبرون بما في الكون من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى، وأنه الفاعل المختار لما يشاء.

وقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾، أي: وما أقل شكركم لله على ما أنعم به عليكم! كقوله: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾.

ثم أخبر تعالى عن قدرته العظيمة وسلطانه القاهر في بدئه الخليقة، وذرئه لهم في سائر أقطار الأرض، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم، ثم يوم القيامة يجمع الأولين منهم والآخرين لميقات يوم معلوم، فلا يترك منهم صغيرًا ولا كبيرًا، ولا ذكرًا ولا أنثى، ولا جليلًا ولا حقيرًا، إلا أعاده كما أبداه، ولهذا قال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾، أي: يحيي الرمم ويميت الأمم، ﴿وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ﴾، أي: وعن أمره تسخير الليل والنهار، كل منهما يطلب الآخر طلبًا حثيثًا، يتعاقبان لا يفتران، ولا يفترقان بزمان غيرهما؛ كقوله تعالى: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾.

وقوله: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، أي: أفليس لكم عقول تدلكم على العزيز العليم، الذي قد قهر كل شيء، وعز كل شيء وخضع له كل شيء؟

ثم قال مخبرًا عن منكري البعث، الذين أشبهوا من قبلهم من المكذبين: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَال الْأَوَّلُونَ (٨١) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾، يعني: يستبعدون وقوع ذلك بعد صيرورتهم إلي البِلَى، ﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إلا


[١]- بياض في ز.
[٢]- في ز: أيسوا.