للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن مسعود: إن ربكم ليس عنده ليل ولا نهار، نور العرش من نور وجهه.

وقوله: ﴿سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [١] قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾، أي: إذا كنتم تعترفون بأنه رب السماوات ورب العرش العظيم، أفلا تخافون عقابه وتحذرون عذابه، في عبادتكم معه غيره وإشراككم به؟

قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا القرشيٍ في كتاب "التفكر والاعتبار": حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن جعفر، أخبرني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان رسول الله كثيرًا ما يحدث عن امرأة كانت في الجاهلية على رأس جبل، معها ابن لها يرعى غنمًا، فقال لها ابنها: يا أمَّاه، من خلقك؟ قالت: الله. قال: فمن خلق أبي؟ قالت: الله. قال: فمن خلقني؟ قالت: الله. قال: فمن خلق السماوات؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الأرض؟ قالت: الله. قال: فمن خلق الجبل؟ قالت: الله. قال: فمن خلق هذه الغنم؟ قالت: الله. قال: فإني أسمع لله شأنًا، ثم ألقى نفسه من الجبل فتقطع. قال ابن عمر: كان رسول الله كثيرًا ما يحدثنا هذا الحديث. قال عبد الله بن دينار: كان ابن عمر كثيرًا ما يحدثنا بهذا الحديث.

قلت: في إسناده عبد الله بن جعفر المديني والد الإمام علي بن المديني، وقد تكلموا فيه. فالله أعلم.

﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيءٍ﴾، أي: بيده الملك ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾، أي: متصرف فيها، وكان رسول الله يقول: "لا والذي نفسي بيده"، وكان إذا اجتهد في اليمين قال: "لا ومقلب القلوب"، فهو سبحانه الخالق المالك المتصرف، ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ كانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحدًا، لا يُخْفَر في جواره، وليس لمن دونه أن يجير عليه؛ لئلا يفتات عليه، ولهذا قال الله: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيهِ﴾، أي: وهو السيد العظيم الذي لا أعظم منه، الذي له الخلق والأمر، ولا معقب لحكمه، الذي لا يمانع ولا يخالف، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وقال الله: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ أي: لا يسأل عما يفعل لعظمته وكبريائه وقهره وغلبته وعزته، وحكمته وعدله [٢]، والخلق كلهم يسألون عن أعمالهم، كما قال تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.


[١]- في ز: الله.
[٢]- سقط من: ز، خ.