للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعله فرقانًا عظيمًا، إنما خصه به ليخصه بالرسالة [١] إلى من يستظل بالخضراء، ويستقل على الغبراء (*)، كما قال صلوت الله وسلامه عليه: "بُعثت إلى الأحمر والأسود" (١). وقال: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي" (٢)، فذكر منهن: أنه "كان النبي يبعث إلى قومه [خاصة] [٢]، وبعثت إلى الناس عامة".

وقال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾، أي: الذي أرسلني هو مالك السموات والأرض، الذي يقول للشيء كن فيكون، وهو الذي يحيي ويميت، وهكذا قال ها هنا: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾، فنزَّه نفسه عن الولد، وعن الشريك.

ثم أخبر أنه ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ أي: كل شيء مما سواه مخلوق مربوب، وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت [قدره وتقديره] [٣] وتسخيره، وتدبيره [] [٤].

﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (٣)

يخبر تعالى عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، الخالق لكل شيء، المالك لأزمَّة الأمور، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ومع هذا عَبَدُوا معه من الأصنام ما لا يقدر على خلق جناح بعوضة، بل هم مخلوقون، ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، فكيف يملكون لعابديهم؟! ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا﴾، أي: ليس إليهم [٥] من ذلك شيء، بل ذلك مرجعه كله إلى الله ﷿ فهو [٦] الذي يحيي ويميت، وهو الذي يعيد الخلائق يوم القيامة أولهم وآخرهم، ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ وقوله [٧]: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾، ﴿إِنْ كَانَتْ إلا صَيحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَينَا مُحْضَرُونَ﴾، فهو الله


(١) رواه مسلم في صحيحه حديث (٥٢١) هو والذي يليه من حديث جابر، .
(٢) رواه الطبراني في تفسيره (١٨/ ١٤٠) من طريق سفيان به مرسلًا.