للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عيسى، والعُزَير: الملائكة. ﴿فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ﴾، أي: فيقول [الرَّب] [١] : أأنتم دعوتم هؤلاء إلى عبادتكم من دوني، أم هم عبدوكم من تلقاء أنفسهم، من غير دعوة منكم لهم؟ كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَال اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَينِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَال سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ﴾، إلى آخر الآية، ولهذا قال تعالى مخبرًا عما يُجيب به المعبودون يوم القيامة: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾. قرأ الأكثرون بفتح "النون" من قوله ﴿نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾، أي: ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدًا سواك، لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك، بل هم قالوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أمرنا ولا رضانا، ونحن برآء منهم ومن عبادتهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ [٢] جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾.

وقرأ آخرون: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُتَّخَذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾، أي: ما ينبغي لأحد أن يعبدنا، فإنا عبيد لك، فقراء إليك. وهي قريبة المعنى من الأولى.

﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ﴾، أي: طال عليهم العمر، حتى نسوا الذكر، أي: نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك، من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك.

﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾، قال ابن عباس: أي: هلكى. وقال الحسن البصري - ومالك عن الزهري -: أي: لا خير فيهم. وقال ابن الزبعري حين أسلم:

يا رَسُولَ المَليك إنّ لسانِي … رَاتقٌ [٣] ما فَتَقْتُ إذْ [٤] أنا بُورُ

إذْ أجارِي الشَّيْطانَ فيِ سَنَنِ الغَـ … يّ، وَمَن مالَ ميلَه مَثْبُورُ

قال الله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ﴾، أي: فقد كذبكم الذين عبدتم فيما زعمتم أنهم لكم أولياء، وأنكم اتخذتموهم قربانًا يقربونكم إليه زلفى، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ وقوله: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ [٥] صَرْفًا وَلَا نَصْرًا﴾، أي: لا يقدرون على صرف العذاب عنهم، ولا الانتصار لأنفسهم، ﴿وَمَنْ


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: ت.
[٢]- في ت: "نحشرهم" وهي قراءة الجمهور. وأثبتنا قراءة حفص بن عاصم.
[٣]- في ز: "رَائِقٌ".
[٤]- في ز: "إذا".
[٥]- في ز، خ: "يستطيعون" وهي قراءة الجمهور. والمثبت قراءة حفص عن عاصم.