للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَقَال الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (٣٠) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١)

يقول تعالى مخبرًا عن رسوله ونبيه محمد، صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين، أنه قال: ﴿يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾. وذلك أن المشركين كانوا لا يُصغُون للقرآن ولا يسمعونه [١]، [كما قال تعالى] [٢]: ﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾. وكانوا [٣] إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه؛ فهذا من هجرانه، وتركُ الإيمان به وتصديقه من هجرانه، [وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وتركُ العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه] [٤]، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يُسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناءَ الليل وأطرافَ النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.

وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾، أي: كما حصل لك يا محمد في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين [٥]؛ لأن الله جعل لكل نبي عدوًّا من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾؛ ولهذا قال تعالى ها هنا: ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾. أي: لمن اتبع رسوله، وآمن بكتابه وصدقه واتبعه، فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة، وإنما قال: ﴿هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾؛ لأن المشركين كانوا [٦] يصدون الناس عن اتباع القرآن، لئلا يهتدي أحد به، ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن؛ فلهذا قال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾.

﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ


[١]- في ت: "يستمعونه".
[٢]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز: "كانوا".
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٥]- في ز: "الماضين".
[٦]- سقط من: خ، ز.