للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَفْسِيرًا (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٣٤)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كثرة اعتراض الكفار وتعنتهم، وكلامهم فيما لا يعنيهم، حيث قالوا: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾. أي: هذا أنزل عليه هذا الكتاب الذي أوحي إليه جملة واحدة، كما نزلت الكتب قبله [] [١]، كالتوراة والإنجيل والزبور، وغيرها من الكتب الإلهية. فأجابهم الله تعالى عن ذلك بأنه إنما أنزل [٢] منجمًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث، وما يحتاج إليه [٣] من الأحكام لتثبيت قلوب المؤمنين به كقوله: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا﴾. ولهذا قال: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾.

قال قتادة: وبيّناه تبيينًا. وقال عبد الرحمن بن زيد من أسلم: وفسرناه تفسيرًا.

﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾. أي: بحجة وشبهة ﴿إلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾. أي: ولا يقولون قولًا يعارضون به الحق إلَّا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم. قال سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ﴾، أي: بما يلتمسون به عيب القرآن والرسول ﴿إلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾ أي: إلا نزل جبريلُ من الله بجوابهم.

ثم في هذا اعتناء كبير؛ لشرف الرسول حيث كان يأتيه الوحي من الله ﷿ بالقرآن صباحًا ومساء، [وليلًا] [٤] أو نهارًا، سفرًا وحضرًا، وكل مرة كان يأتيه الملك بالقرآن كإنزال كتاب [٥] مما قبله من الكتب المتقدمة، فهذا المقام أعلى وأجل، وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد، ، أعظم نبي أرسله الله تعالى، وقد جمع الله للقرآن الصفتين معًا، ففي الملأ الأعلى أنزل جملة واحدة [٦] من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة [من سماء] [٧] الدنيا، ثم نزل [٨] بعد ذلك إلى الأرض منجمًا بحسب الوقائع والحوادث.


[١]- ما بين المعكوفتين في ت: "جملة واحدة".
[٢]- في ت: "نزل".
[٣]- سقط من: خ، ز.
[٤]- في ت: "وليلًا".
[٥]- في ت: "الكتاب".
[٦]- سقط من: ز، خ.
[٧]- ما بين المعكوفين في ت: "في السماء".
[٨]- في ت: "أنزل".