للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ﴾ ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾. ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُمْ جَمِيعًا﴾.

وفي الصحيحين: "بعثت إلى الأحمر والأسود". وفيهما: "وكان النبي يبعث إلى قومه [] [١]، وبعثت إلى الناس عامة"؛ ولهذا قال: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ يعني: القرآن [٢]؛ قاله ابن عبَّاس ﴿جِهَادًا كَبِيرًا﴾ كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ﴾.

وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَينِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾، أي: خلق الماءين: الحلو والملح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو الفرات العذب الزلال؛ قاله ابن جريج، واختاره ابن جرير، وهذا الذي لا شك فيه، فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات. والله سبحانه إنما أخبر [عن الواقع] [٣] لينبه العباد على نعمه عليهم ليشكروه، فالبحر العذب هو هذا السارح بين الناس، فرقه تعالى [٤] بين خلقه لاحتياجهم إليه أنهارًا وعيونًا في كل أرض بحسب حاجتهم وكفايتهم لأنفسهم وأراضيهم.

وقوله: ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أي: مالح مرٌّ زُعَاق (*) لا يستساغ [٥]، وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب، البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق وبحر القلزم، وبحر اليمن، وبحر البصرة، وبحر فارس، وبحر الصين والهند، وبحر الروم، وبحر الخزر، وما شاكلها وشبهها [٦] من البحار الساكنة التي لا تجري، ولكن تتموج وتضطرب وتغتلم [٧] في زمن الشتاء وشدة الريح، ومنها ما فيه مد وجَزْر، ففي أول كل شهر يحصل منها مد وفيض، فإذا شرع الشهر في النقصان جَزَرت، حتَّى ترجع إلى غايتها الأولى، فإذا استهل الهلال من الشهر الآخر شرعت في المد إلى الليلة الرابعة عشرة ثم تشرع في النقص، فأجرى الله وله القدرة التامة - العادة بذلك.

فكل هذه البحار الساكنة خلقها الله مالحة الماء، لئلا يحصل بسببها نتن الهواء، فيفسد الوجود بذلك، ولئلا تجوى (**) الأرض بما يموت فيها من الحيوان. ولما كان ماؤها ملحًا كان هواؤها صحيحًا وميتتها طيبة؟ ولهذا قال رسول الله، ، وقد سئل عن ماء البحر: أنتوضأ به؟ فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته". رواه


[١]- ما بين المعكوفين في ت: "حاصة".
[٢]- في ت: "بالقرآن".
[٣]- في ت: "بالواقع".
[٤]- سقط من: ز.
(*) الزعاق من الماء: المُرُّ الغليظ، لا يُطاق شُرْبُه.
[٥]- في ز، خ: "يستطاع".
[٦]- في ت: "شابهها".
[٧]- في ز: "تقتلم".
(**) جَوِيَ الشيء: تغيَّر وأنتن.