للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ كُلِّ شَيءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (١٦) وَحُشِرَ لِسُلَيمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (١٩)

يخبر تعالى عما أنعم به على عبديه ونبييه داود وابنه سليمان - عليهما من الله السلام - من النعم الجزيلة، والمواهب الجليلة، والصفات الجميلة، وما جمع لهما بين سعادة الدنيا والآخرة، والملك والتمكين التام في الدنيا، والنبوة والرسالة في الدين؛ ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

قال ابن أبي حاتم: ذكر عن إبراهيم بن يحيى بن تمام: أخبرني أبي، عن جدي؛ قال: كتب عمر بن عبد العزيز: إن الله لم ينعم على عَبد نعمة فحمد الله عليها، إلَّا كان حَمْدهُ أفضلَ من نعمه [١]، لو كنت لا تعرف ذلك إلَّا من [٢] كتاب الله المنزل، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وأي نعمة أفضلُ مما أوتي داود وسليمان ؟

وقوله: ﴿وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُودَ﴾ أي: في الملك والنبوة، وليس المراد ورَاثَةَ المال؛ إذ لو كان كذلك لم يخص سليمان وحده من بين سائر أولاد داود، فإنه قد كان لداود مائةُ امرأة. ولكن المراد بذلك وراثةُ الملك والنبوة، فإن الأنبياء لا تورث أموالهم، كما أخبر بذلك رسول الله : "نحن معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا [٣] صدقة" (٣).

وقوله: ﴿وَقَال يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيءٍ﴾ أي: أخبر سليمان


(٣) رواه البخاري حديث (٦٧٢٧) من حديث عائشة بلفظ: "لا نورث ما - تركناه صدقة". قال الحافظ ابن حجر في الفتح (١٢/ ٨): وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" فقد أنكره جماعة من الأئمة، وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ: "نحن"، وانظر الفتح.