للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ هذا استثناء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر وذلك أن من كان على شيء ثم أقلع عنه، ورجع وتاب وأناب، فإن الله يتوب عليه، كما قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ والآيات في هذا كثيرة جدًّا.

وقوله: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾، هذه آية أخرى، ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار، وصدْق من [١] جعل له معجزة، وذلك أن الله تعالى أمره أن يُدخل يده في جيب دِرْعه، فإذا أدخلها وأخرجها خَرَجت بيضاء ساطعة، كأنها قطعة قمر، لها لمعان يتلألأ كالبرق الخاطف.

وقوله: ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ أي: هاتان ثنتان من تسع آيات أُؤيدك بهن، وأجعلهن برهانًا لك إلى فرعون وقومه، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾. وهذه هي الآيات التسع التي قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ كما تقدم تقرير ذلك هنالك.

وقوله ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ أي: بينة واضحة ظاهرة ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾، وأرادوا معارضته بسحرهم، فغلبوا وانقلبوا صاغرين ﴿وَجَحَدُوا بِهَا﴾ أي في ظاهر أمرهم ﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ أي: علموا في أنفسهم أنها حَقٌّ من عند الله، ولكن جَحَدُوها وعاندوها وكابروها ﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾، أي: ظلما من أنفسهم، سَجِيَّة ملعونة، ﴿وَعُلُوًّا﴾ أي: استكبارًا عن أتباع الحق؛ ولهذا قال: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ أي: انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم، في إهلاك الله إياهم، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة.

وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيها المكذبون بمحمد، الجاحدون لما جاء به من ربه، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى، فإن محمدًا - صلوات الله وسلامه عليه - أشرف وأعظم من موسى، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى، بما آتاه الله تعالى من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به، وأخذ المواثيق له، عليه من ربه أفضلُ الصلاة والسلام.

﴿وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُودَ وَسُلَيمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (١٥) وَوَرِثَ سُلَيمَانُ دَاوُودَ وَقَال يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيرِ وَأُوتِينَا


[١]- في خ: "و".