للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي: وجمع لسليمان جنوده من الجن والإِنس والطير، يعني: ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة في الإِنس، وكانوا هم الذين يلونه، والجن وهم بعدهم في المنزلة، والطير ومنزلتها فوق رأسه، فإن كان حَرٌّ أظلته منه بأجنحتها.

وقوله: ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ أي: يكف [١] أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد عن منزلته التي هي مرتبة له. قال مجاهد: جعل على كل صنف وَزَعَة، يردُّون أولاها على أخراها، لئلا يتقدموا في المسير، كما يفعل الملوك اليوم.

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ أي: حتَّى إذا مر سليمان بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل، ﴿قَالتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

أورد [٢] ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر، عن سعيد، عن قَتَادة، عن الحسن: أن اسم هذه النملة: حرس، وأنَّها من قبيلة يقال لهم: بنو الشيصان، وأنها كانت عرجاء، وكانت بقدر الذئب.

أي: خافت على النمل أن تحطمها الخيول بحوافرها، فأمرتهم بالدخول إلى مساكنها، ففهم ذلك سليمان عنها [٣] ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَال رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾، أي: ألهمني أن أشكر ندمتك التي مننت بها عليَّ، من تعليمى منطق الطر والحيوان، وعلى والديّ بالإِسلام لك [٤] والإِيمان بك، ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾، أي: عملًا تحبه وترضاه، (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين". أي: إذا توفيتنى فألحقني بالصالحين من عبادك، والرفيق الأعلى من أوليائك.

ومن قال من المفسرين: إن هذا الوادي كان بأرض الشام أو بغيره، وإن هذه النملة كانت ذات جناحين كالذباب، أو غير ذلك من الأقاويل، فلا حاصل لها.

وعن نوف البَكَالي أنَّه قال: كان نمل سليمان أمثال الذيب. هكذا رأيته مضبوطًا بالياء المثناة من [٥] تحت وإنَّما هو بالباء الموحدة، وذاك [٦] تصحيف، والله أعلم.

والغرض أن سليمان فهم قولها، وتبسم ضاحكا من ذلك، وهذا أمر عظيم جدًّا.


[١]- في ت: "يكفوا".
[٢]- في ز، خ: "فأورد".
[٣]- في ت: "منها".
[٤]- سقط من: خ، ز.
[٥]- سقط من: خ، ز.
[٦]- في ت: "ذلك".