للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أبي، حدَّثنا محمد بن بشار، حدَّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا مشعَر، عن زيد العَميّ، عن أبي الصدِّيق الناجي قال: خرج سليمان يستسقي، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، وهي تقول: اللهم، إنَّا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا تهلكنا. فقال سليمان : "ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم".

وقد ثبت في الصحيح - عند مسلم - من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن النبي : "قَرَصتْ نبيًّا من الأنبياء نملة فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟ فهلَّا نملة واحدة" (٥).

﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيرَ فَقَال مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١)

قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما عن ابن عبَّاس وغيره: كان الهدهد مهندسًا، يدل سليمان على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض، كما يرى الإِنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض، فإذا دلهم عليه أمر سليمان الجان فحفروا له ذلك المكان، حتَّى يستنبطوا [١] الماء من قراره، فنزل سليمان بفلاة من الأرض، فنفقد الطير ليرى الهدهد، فلم يره، ﴿فَقَال مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾.

حدث يومًا عبد الله بن عبَّاس بنحو هذا، وفي القوم رجل من الخوارج، يقال له: "نافع بن الأزرق"، وكان كثير الاعتراض على ابن عبَّاس، فقال له: قف يا ابا [٢] عبَّاس، غُلبت اليوم! قال: ولم؟ قال: إنك تخبر عن الهدهد أنَّه يرى الماء في تخوم الأرض، وإن الصبيّ ليضع له الحبة في الفخ ويحثو على الفخ ترابًا، فيجيء الهدهد فيأخذها [٣] فيقع في الفخ، فيصيده الصبيّ. فقال ابن عبَّاس: لولا أن يذهب هذا فيقول: رددت على ابن عبَّاس، لا أجبته. فقال له: ويحك! إنه إذا نزل القَدَر عَمِيَ البصر، وذهب الحَذَر. فقال له نافع: والله لا أجادلك في شيء من القرآن أبدًا (٦).


(٥) صحيح مسلم حديث (٢٢٤١).
(٦) رواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٤٠٥) من طريق المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير بنحوه.