للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد- لهؤلاء: ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾، أي: المكذبين بالرسل وما جاءوهم به من أمر المعاد وغيره، كيف حلت بهم نِقَمُ الله وعذابه ونكاله، ونجى الله من بينهم رسلَه الكرام ومن اتبعهم من المؤمنين؛ فدل ذلك على صدق ما جاءت به الرسل وصحته.

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه -صلوات الله وسلامه عليه- ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيهِمْ﴾ أي: المكذبين بما جئت به، ولا تأسف عليهم وتذهب نفسك عليهم حسرات، ﴿وَلَا تَكُنْ فِي ضَيقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾، أي: في كيدك ورَدّ ما جئت به، فإن الله مؤيدك وناصرك، ومظهرٌ دينَك على مَنْ خالفه وعانده في المشارق والمغارب.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٤) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين، في سؤالهم عن يوم القيامة، واستبعادهم وقوع ذلك:

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ قال الله مجيبًا لهم: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾، [قال ابن عباس: أن يكون قرب -أو: أن يقرب- لكم بعض الذي تستعجلون. وهكذا] [١] قال مجاهد والضحاك، وعطاء الخراساني وقتادة والسدي وهذا هو المراد، كقوله [٢] تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾. وقال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾.

وإنما دخلت "اللام" في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾، لأنه ضُمن معنى "عَجِل لكم"، كما قال مجاهد في رواية عنه، ﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾: عجل لكم.

ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ أي [٣]: في إسباغه نعمه عليهم مع ظلمهم لأنفسهم، وهم مع ذلك لا يشكرونه على ذلك إلا القليل منهم، ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾، أي: يعلم السرائر والضمائر، كما يعلم الظواهر، ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾ ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ ﴿أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ


[١]- ما بين المعكوفتين في ز، خ: "وهذا".
[٢]- في ت: "بقوله".
[٣]- سقط من: ز، خ.