ثم أخبر تعالى بأنه عالم غيب السموات والأرض، وأنه عالم الغيب والشهادة - وهو ما غاب عن العباد وما شاهدوه [١] فقال: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، قال ابن عباس: يعني وما من شيء ﴿فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، وهذا كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.
يقول تعالى مخبرًا عن كتابه العزيز، وما اشتمل عليه من الهدى والبينات والفرقان: إنه يقص على بني إسرائيل -وهم حملة التوراة والإنجيل- ﴿أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾، كاختلافهم في عيسى وتباينهم فيه، فاليهود افتروا، والنصارى غَلوا، فجاء القرآن بالقول الوسط الحق العدل: إنه عبد من عباد الله وأنبيائه ورسله الكرام ﵊ كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ﴾ وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي: هدى لقلوب المؤمنين، ورحمة لهم في العمليات.
ثم قال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَينَهُمْ﴾ أي: يوم القيامة ﴿بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في انتقامه، ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأفعال عباده وأقوالهم.
﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ أي: في أمورك، وبَلّغ رسالة ربك، ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾، أي: أنت على الحق المبين وإن خالفك مَنْ خالفك بن كتبت عليه الشقاوة وحَقت عليهم كلمة ربك أنهم لا يؤمنون، ولو جاءتهم كل آية؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾، أي: لا تسمعهم شيئًا ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفي آذانهم وَقْر الكفر؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾، إنما يستجيب لك من هو سميع بصير، السمع