للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث الصور: أنه في النفخة الثالثة يأمر الله الأرواح، فتوضع في ثقب في الصور، ثم ينفخ إسرافيل فيه بعدما تنبت الأجساد في قبورها وأماكنها، فإذا نفخ في الصور طارت الأرواح، تتوهج أرواح المؤمنين نورًا، وأرواح الكافرين ظُلمة، فيقول الله ﷿: "وعزتي وجلالي لترجعنّ كلّ روح إلى جسدها"، فتجئ الأرواح إلي أجسادها، فتدبّ فيها كما يَدبّ السّم في اللديغ، ثم يقومون فينفضون التراب من قبورهم، قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾، أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمرّ مرَّ السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (٩) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيرًا﴾، وقال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (١٠٥) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (١٠٦) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ [١] الْجِبَال وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً﴾.

وقوله: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيءٍ﴾، أي: يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي قد أتقن كُل ما خلق، وأودع فيه من الحكمة ما أودع، ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [٢]﴾ أي: هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر فيجازيهم عليه.

ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيرٌ مِنْهَا﴾ قال قتادة: بالإِخلاص. وقال زين العابدين: هي لا إله إلا الله. وقد بين في المكان الآخر أن له عَشْر أمثالها.

﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾، كما قال في الآية الأخرى: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾. وقال: ﴿أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وقال ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾.

وقوله: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ أي: من لقي الله مسيئًا لا حسنة له، أو: قد رجحت سيئاته على حسناته، كل بحسبه؛ ولهذا قال: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إلا مَا كُنْتُمْ [٣] تَعْمَلُونَ﴾.

وقال ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس وأنس بن مالك، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، وأبو وائل، وأبو صالح، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، والزهري، والسدي، والضحاك، والحسن، وقتادة، وابن زيد، في


[١]- في ز: "تسير" وهي قراءة ابن عامر.
[٢]- في ز: "يفعلون" وهي قراءة ابن عامر.
[٣]- في ز: "كانوا".