نحوهما [١]- لقد هممت أن لا أحدث أحدًا شيئًا أبدًا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرًا عظيمًا يخرب البيت، ويكون ويكون [٢]؛ ثم قال: قال رسول الله ﷺ: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين-[لا أدري أربعين][٣] يومًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين عامًا- فيبعث الله لله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى علي وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدهم دخل كبد جبل لدخَلَته عليه حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله ﷺ، قال:"فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دارٌّ رزقهم، حسن عيشهم [٤]، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتا. قال: "وأول من يسمعه رجل يَلوط حوض إبله". قال: "فيَصْعَقُ ويصعقُ الناس، ثم يرسل الله -أو قال: ينزل الله- مطرًا، كأنه الطّل [٥]، -أو قال: الظل [٦]- نعمان الشاك- فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخُ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال،: يا أيها الناس، هلموا إلي ربكم، وقفوهم إنهم مسئولون. ثم يقال: أخرجوا بعث النار. فيقال: مِنْ كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين [٧]، قال: فذلك يوم يجعل الولدان شيبًا، وذلك يوم يكشف عن ساق" (٣٥).
فقوله [٨]: "ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتًا ورفع ليتًا". الليت: هو صفحة العنق، أي: أمال عنقه ليستمعه من السماء جيدًا.
فهذه نفخة الفزع، ثم بعد ذلك نفخة الصعق، وهو الموت، ثم بعد ذلك نفخة القيام لرب العالمين، وهو النشور من القبور لجميع الخلائق؛ ولهذا قال: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِين﴾: قُرئ بالمد، وبغيره على الفعل (٥)، وكل بمعنى [٩] واحد- و ﴿دَاخِرِينَ﴾ أي: صاغرين مطيعين، لا يتخلف أحد عن أمره، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾، وقال: ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾.
(٣٥) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة حديث (٢٩٤٠).