للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في البحر وذهلت عن أن تربطه، فذهب مع الماء واحتمله، حتى مر به علي دار فرعون، فالتقطه الجواري فاحتملنه، وذهبن [١] به إلي امرأة فرعون، ولا يدرين ما فيه، وخشين أن يَفْتَتْنَ عليها في فتحه دونها، فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه، فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه، وذلك لسعادتها وما أراد الله [٢] من كرامتها وشقاوة بعلها؛ ولهذا قال: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا﴾.

قال محمد بن إسحاق وغيره: "اللام" ها هنا [٣] لام العاقبة، لا لام التعليل، لأنهم لم يريدوا بالتقاطه ذلك. ولا شك أن ظاهر اللفظ يقتضي ما قالوه، ولكن إذا نظر إلي معنى السياق فإنه تبقى اللام للتعليل؛ لأن معناه أن الله -تعالى- قيضهم لالتقاطه ليجعله لهم عدوًّا وحزنًا، فيكون أبلغ [في إبطال] [٤] حذرهم منه؛ ولهذا قال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾.

وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كتب كتابًا إلي قوم من القدرية، في تكذيبهم بكتاب الله وبأقداره النافذة في علمه السابق: وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن، قال الله تعالى: ﴿وَنُرِيَ [٥] فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾، وقلتم أنتم: لو شاء فرعون أن يكون لموسى وليًّا وناصرًا، والله يقول: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَقَالتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَينٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾، يعني أن فرعون لما رآه همَّ بقتله خوفًا من أن يكون من بني إسرائيل، فجعلت امرأته آسية بنت مزاحم تُحَاجّ [٦] عنه وتَذِبُّ دونه، وتحببه إلي فرعون، فقالت: ﴿قُرَّتُ عَينٍ لِي وَلَكَ﴾، فقال: أمًا لكِ فَنَعَم، وأما لي فلا. فكان كذلك؛ فهداها [٧] الله به، وأهلكه الله علي يديه. وقد تقدم في حديث الفتون في "سورة طه" هذه القصة بطولها من رواية ابن عباس مرفوعًا عند النسائي وغيره.

وقوله: ﴿عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا﴾، وقد حصل لها ذلك، وهداها الله به، وأسكنها الجنة بسببه.

وقولها: ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾، أي: أرادت أن تتخذه ولدًا وتتبناه [٨]، وذلك أنها [٩] لم


[١]- في ت: "فذهبن".
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز، خ: "ها هنا".
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٥]- في ز، خ: "لنري".
[٦]- في ز، خ: "تحاجج".
[٧]- في ت: "وهداها".
[٨]- في ز، خ: "وتثبت له".
[٩]- في ز، خ: "أنه".