للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾.

قد تقدم في تفسير الآية قبلها أن موسى قضى أتم الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما وأنقاهما [١]، وقد يستفاد هذا أيضًا من الآية الكريمة من قوله: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾، أي: الأكمل منهما [٢] والله أعلم.

قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قضى عشر سنين وبعدها عشرًا أخر. وهذا القول لم أره لغيره، وقد حكاه عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾، قالوا: كان موسى قد اشتاق إلي بلاده وأهله، فعزم علي زيارتهم في خفية من فرعون وقومه، فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره، فسلك لهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة، فنزل منزلًا فجعل كلما أورى زنده لا يُضيء شيئًا، فتعجب من ذلك، فبينما هو كذلك [إذ] [٣]: ﴿آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا﴾، أي: رأى نارًا تضيء له علي بعد، فـ ﴿قَال لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ أي: حتى أذهب إليها، ﴿لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾. وذلك لأنه كان قد أضل الطريق، ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ﴾، أي: قطعة منها، ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾، أي: تتدفئون بها من البرد. قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيمَنِ﴾ أي: من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَينَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾، فهذا مما يرشد إلي أن موسى قصد النار إلي جهة القبلة، والجبل الغربيّ عن يمينه، والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء في لِحْف (*) الجبل مما يلي الوادي، فوقف باهتًا في أمرها، فناداه ربه: ﴿مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيمَنِ [٤] فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾.

قال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله؛ قال: رأيت الشجرة التي نودي منها موسى سمرة خضراء ترف. إسناد [٥] مقارب.

وقال محمد بن إسحاق، عن بعض من لا يُتَّهَمُ، عن وهب بن منبه قال: شجرة من العُلَّيق وبعض أهل الكتاب يقول: من العوسج.

[وقال قتادة: هي من العوسج، وعصاه من العوسج] [٦].


[١]- في ز، خ: "أتقاهما".
[٢]- في ز، خ: "بينهما".
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: ت.
[٤]- سقط من: ز، خ.
(*) اللِّحف: أصل الجبل.
[٥]- في ت: "إسناده".
[٦]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.