وقوله: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾، أي: لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإِيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطَمُّ، ولهذا قال: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ أي: يفوتونا ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ أي: بئس ما يظنون!
يقول تعالى: ﴿من كان يرجو لقاء الله﴾ أي: في الدار الآخرة، وعمل الصالحات رجاء ما عند الله من الثواب الجزيل، فإن الله سيحقق له رجاءه، ويوفيه عمله كاملًا موفورًا، فإن ذلك كائن لا محالة لأنه سميع الدعاء، بصير بكل الكائنات؛ ولهذا قال: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
وقوله: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ كقوله: ﴿من عمل صالحًا فلنفسه﴾: أي: من عمل صالحًا فإنما يعود نفع عمله علي نفسه. فإن الله غني عن أفعال العباد ولوكانوا كلهم على أتقي قلب رجل منهم، ما زاد ذلك في ملكه شيئًا؛ ولهذا قال: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِينَ (٦)﴾.
قال الحسن البصري: إن الرجل ليجاهد وما ضرب يومًا من الدهر بسيف.
ثم أخبر أنه مع غناه عن الخلائق جميعهم من [إحسانه وبره] بهم يجازي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أحسن الجزاء، وهو أنه يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا، ويجزيهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون، فيقبل القليل من الحسنات، ويثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف، ويجزي علي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)﴾، وقال هاهنا: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (٧)﴾.