للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى آمرًا عباده بالإحسان إلي الوالدين بعد الحث علي التمسك بتوحيده، فإن الوالدين هما سببُ وجود الإنسان، ولهما عليه [١] غاية الإحسان، [فالوالد] [٢] بالإنفاق والوالدة بالإشفاق؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ ومع هذه الوصية بالرأفة والرحمة والإحسان إليهما، في مقابلة إحسانهما المتقدم، قال: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾، أي: وإن حَرَصَا عليك أن تتابعهما في دينهما إذا كانا مشركين، فإياك و إياهما، لا تطعهما في ذلك، فإن مرجعكم إليّ يوم القيامة فأجزيك بإحسانك إليهما وصبرك علي دينك، وأحشرك مع الصالحين لا في زمرة والديك و إن كنت أقرب الناس إليهما في الدنيا فإن المرء إنما يحشر يوم القيامة مع من أحب، أي: حبا دينيًّا؛ ولهذا قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾.

وقال الترمذي (٢) عند تفسيره هذه الآية: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن سماك بن حرب [قال] [٣]: سمعت مُصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد، قال: نزلت فيّ أربع آيات. فذكر قصة وقالت أم سعد: أليس قد أمرك الله بالبر؟ والله لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أموت أو تكفر، قال: فكانوا [٤] إذا أرادوا أن يطعموها شَجَرُوا فاها (*)؛ فأنزل الله: ﴿وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ﴾ الآية.

وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم. وأبو داود والنسائي أيضًا، وقال الترمذي: حسن صحيح.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (١١)


(٢) سنن الترمذي حديث (٣٠٧٩)، والمسند (١/ ١٨١)، وصحيح مسلم حديث (١٧٤٨)، وسنن أبي داود حديث (٢٧٤٠).
(*) -أي: فتحوا فمها.