للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول تعالى مخبرًا عن صفات قوم من المكذبين [١] الذين يدعون الإيمان بألسنتهم، ولم يثبت الإيمان في قلوبهم، بأنهم إذا جاءتهم فتنة ومحنة في الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله -تعالى- بهم، فارتدوا عن الإسلام؛ ولهذا قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾.

قال ابن عباس: يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله. وكذا قال غيره من علماء السلف. وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾.

ثم قال: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ أي: ولئن [٢] جاء نصر قريب من ربك -يا محمد- وفتح ومغانم، ليقولن هؤلاء لكم: إنا كنا معكم، أي إخوانكم في الدين، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوذْ عَلَيكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ وقال تعالى مخبرًا عنهم هاهنا: ﴿وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَيسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالمِينَ﴾، أي: أو ليس الله بأعلم بما في قلوبهم، وما تُكنه ضمائرهم وإن أظهروا لكم الموافقة؟

وقوله: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾، أي: وليختبرن الله الناس بالضراء والسراء، ليتميز هؤلاء من هؤلاء، ومن يطيع الله في الضراء والسراء، ومن إنما يطيعه في حظ نفسه، كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾، وقال تعالى بعد وقعة أحد التي كان فيها [ما كان] [٣]: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الآية.

﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (١٣)

يقول تعالى مخبرًا عن كفار قريش: إنهم قالوا لمن آمن منهم واتبع الهدى: ارجعوا عن دينكم إلى ديننا واتبعوا سبيلنا، ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾، أي: وآثامكم -إن كانت لكم آثام


[١]- سقط من: خ، ز.
[٢]- في ت: "لئن".
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من ز، خ.