أعلم. وروايته من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أقرب إلي الحفظ.
وقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾، كقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا﴾. أي: إنه لا فارق قومه أقرّ الله عينه بوجود ولد صالح نبي [وولد له وَلَد صالح نبي][١] في حياة جده. وكذلك قال الله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾، أي: زيادة، كما قال؛ ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾. أي: ويولد لهذا الولد ولد في حياتكما، تقر به أعينكما. وكون يعقوب ولدًا لإسحاق نص عليه القرآن، وثبتت به السنة النبوية، قال الله: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَال لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)﴾.
وفي الصحيحين (١٤): " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".
فأما ما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله: ﴿ووَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ﴾ قال: هما ولد إبراهيم. فمعناه أن ولد الولد بمنزلة الولد، فإن هذا أمر لا يكاد يخفى علي من هو دون ابن عباس.
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾، هذه خلعة سنية عظيمة، مع اتخاذ الله إياه خليلًا وجعله للناس إمامًا، أن جعل في ذريته النبوة والكتاب، فلم يوجد نبي بعد إبراهيم ﵇ إلا وهو من سلالته، فجميع أنبياء بني إسرائيل من سلالة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، حتى كان آخرهم عيسى ابن مريم فقام في ملئهم مبشرًا بالنبي العربي القرشي الهاشمي، خاتم الرسل على الإطلاق، وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة. الذي اصطفاه الله من صميم العرب العَرْباء، من سلالة إسماعيل بن إبراهيم ﵈. ولم يوجد نبي من سلالة إسماعيل سواه، عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقوله: ﴿وَآتَينَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، أي: جمع الله له بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الآخرة، فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهني، والمنزل الرحب، والمورد العذب، والزوجة الحسنة الصالحة، والثناء الجميل، والذكر الحسن، فكل أحد يحبه ويتولاه، كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، مع القيام بطاعة الله من جميع الوجوه كما قال تعالى: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾، أي: قام بجميع ما أمر به وكمل طاعة ربه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَآتَينَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، كما قال
(١٤) صحيح البخاري حديث (٤٦٨٨) من حديث ابن عمر، ولم أجده عند مسلم.