للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَينَا وَأُنْزِلَ إِلَيكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦)﴾.

قال قتادة وغير واحد: هذه الآية منسوخة بآية السيف، ولم يبق معهم مجادلة، وإنما هو الإسلام أو الجزية أو السيف.

وقال آخرون: بل هي باقية أو محكمة لمن أراد الاستبصار [١] منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ليكون أنجع [٢] فيه كما قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلي فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ وهذا القول اختاره ابن جرير (٢٩) وحكاه عن ابن زيد.

وقوله: ﴿إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾، أي: حادوا عن وجه الحق، وعَمُوا عن واضح المحجة، وعاندوا وكابروا، فحينئذ ينتقل عن [٣] الجدال إلى الجلاد، ويقاتلون بما يردعهم ويمنعهم، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيبِ إِنَّ اللَّهَ قَويٌّ عَزِيزٌ﴾ قال جابر: أمرنا من خالف كتاب الله أن نضربه بالسيف.

قال مجاهد: ﴿إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾، يعني أهل الحرب؛ ومن امتنع منهم من [٤] أداء الجزية.

وقوله: ﴿وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَينَا وَأُنْزِلَ إِلَيكُم﴾، يعني: إذا أخبروا بما لا يعلم صدقه ولا كذبه، فهذا لا نُقدم على تكذيبه؛ لأنه قد يكون حقًّا ولا على تصديقه فلعله أن يكون باطلًا، ولكن نؤمن به إيمانًا مجملًا معلقًا على شرط، وهو أن يكون منزلًا لا مبدلًا ولا [٥] مؤولًا.

قال البخاري (٣٠): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عُمر، ثنا [٦] عليّ بن


(٢٩) تفسير الطبري (٢/ ٢١).
(٣٠) صحيح البخاري حديث (٤٤٨٥، ٧٣٦٢).