للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أحبارهم العلماء الأزكياء كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي، وأشباههما.

وقوله: ﴿بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ﴾. يعني: العرب من قريش وغيرهم، ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا الْكَافِرُونَ﴾، أي: ما يكذب بها ويجحد حقها إلا من يستر الحقّ بالباطل، ويغطي ضوء الشمس بالوصائل، وهيهات!

ثم قال تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾، أي: قد لبثت في قومك -يا محمد-[من] [١] قبل أن تأتى بهذا القرآن عُمرًا لا تقرأ كتابًا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أميّ لا تقرأ ولا تكتب. وهكذا صفته في الكتب المتقدمة كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ الآية. وهكذا كان إلي يوم القيامة- لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرًا ولا حرفًا بيده بل كان له كتاب يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلي الأقاليم. ومن زعم من متأخري الفقهاء كالقاضي أبي الوليد الباجي ومن تابعه، أنه كتب يوم الحديبية: "هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله" فإنما حمله علي ذلك رواية في صحيح البخاري: "ثم أخذ فكتب". وهذه محمولة علي الرواية الأخرى: "ثم أمر فكتب" ولهذا اشتد النكير من فقهاء المغرب والشرق علي من قال بقول الباجي، وتبرءوا منه، وأنشدوا في ذلك أقوالًا وخطبوا به في محافلهم وإنما أراد الرجل- أعنى الباجى، فيما يظهر عنه- أنه كتب ذلك على وجه المعجزة، لا أنه كان يحسن الكتابة، كما قال- إخبارًا عن الدجال (٣٥): " مكتوب بين عينيه كافر". وفي رواية: "ك ف ر، يقرؤه [٢] كل مؤمن".

وما أورده بعضهم من الحديث أنه لم يمت حتى تعلم الكتابة، فضعيف لا أصل له؛ قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو﴾ أي: تقرأ ﴿مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ﴾ لتأكيد النفي ﴿وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ﴾، تأكيد أيضًا و [٣] خرج مخرج الغالب، كقوله تعالى: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ﴾ وقوله: ﴿إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾، أي: لو كنت تخطها [٤] لارتاب بعض الجهلة من الناس فيقول: إنما تعلم هذا من كتب قبله مأثورة عن الأنبياء، مع أنهم قالوا ذلك مع علمهم بأنه أميّ لا يحسن الكتابة: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾، وقال هاهنا: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، أي:


(٣٥) رواه البخاري في صحيحه حديث (٧١٣١) من حديث أنس .