للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(حديث آخر): قال ابن أبي حاتم (٥): حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي [١]، حدثنا مؤمل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: لما نزلت: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾، قال المشركون لأبي بكر: ألا ترى إلى ما يقول صاحبك؟ يزعم أن الروم تغلب فارس! قال: صدق صاحبي. قالوا: هل لك أن نخاطرك؟ فجعل بينه وبينهم أجلًا، فحل الأجل قبل أن تغلب الروم فارس، فبلغ ذلك النبي فساء ذلك وكرهه، وقال لأبي بكر: "ما دعاك إلى هذا؟ ". قال: تصديقًا اللَّه ولرسوله. فقال: "تَعَرَّض لهم وأعظم الخَطَر، واجعله إلى بضع سنين". فأتاهم أبو بكر فقال لهم: هل لكم في العود، فإن العود أحمد؟ قالوا: نعم. فلم تمض تلك السنين حتى غلبت الروم فارس، وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية، فجاء به أبو بكر إلى النبي فقال: هذا السحت، قال: "تصدق به".

(حديث آخر): قال أبو عيسى الترمذي (٦): حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، أخبرني ابن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نِيار بن مُكرم الأسلمي قال: لما نزلت ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾، وكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين [٢] للروم، وكان المسلمون يحبون ظهور [٣] الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول اللَّه: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ وكانت قريش تحب ظهور فارس؛ لأنهم وإياهم ليسوا أهل [٤] كتاب ولا إيمان يبعث، فلما أنزل اللَّه هذه الآية؛ خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾، قال ناس من قريش لأبي بكر: فذاك بيننا وبينك، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك؟ قال: بلى -وذلك قبل تحريم الرهان-[فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضعُوا الرهان] [٥]، وقالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع؟ ثلاث سنين إلى تسع [٦] سنين فَسمِّ [٧] بيننا وبينك وسطًا تنتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال:


(٥) ورواه أبو يعلى في المسند الكبير، كما في المطالب (٥١٩) من طريق إبراهيم بين محمد بن عرعرة، عن المؤمل بنحوه، وقال البوصيري في الإتحاف: "له شاهد من حديث نيار بن مكرم رواه الترمذي". وهو الآتي بعده.
(٦) سنن الترمذي حديث (٣١٩٤).