فمضت [السنين الست][١] قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية [٢] ست سنين. قال: لأن اللَّه قال: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾. قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير.
هكذا ساقه الترمذي ثم قال: هذا حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، وقد روي نحو هذا مرسلًا عن جماعة من التابعين، مثل: عكرمة، والشعبي، ومجاهد، وقتادة، والسدي، والزهري، وغيرهم.
ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإِمام سُنيد بن داود في تفسيره حيث قال (٧): حدثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد اللَّه، عن عكرمة قال: كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشًا وأستعمل عليهم رجلًا من بنيك فأشيري علي، أيَّهم أستعمل؟ فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صقر. وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان. وهذا شهربراز وهو أحلم من كذا -تعني أولادها الثلاثة- فاستعمل أيهم شئت. قال: فإني قد استعملت الحليم. فاستعمل شهريراز فسار إلى الروم بأهل فارس، فظهر عليهم فقتلهم، وخزب مدائنهم، وقطع زيتونهم.
قال أبو بكر بن عبد اللَّه: فحدثت هذا [٣] الحديث عطاء الخراساني فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت. لا، قال: أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت والزيتون الذي قطع. فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته.
قال عطاء الخراساني: حدثني يحيى بن يعمر أن قيصر بعث رجلًا يدعى بطنة [٤] بجيش من الروم، وبعث كسرى شهربراز فالتقيا بأذرعات وبُصرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس. ففرحت بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون.
قال عكرمة: ولقي المشركون أصحاب النبي ﷺ فقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، [ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب][٥]، وإنكم إن قاتلتمرنا لنظهرنَّ عليكم. فأنزل اللَّه: ﴿الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾ فخرج أبو بكر الصديق إلى
(٧) رواه الطبري في تفسيره (٢١/ ١٣) من طريق سنيد به.