للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا، فقال لأصحابه -وأجلسهم خلفه-: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذب فكذبوه. فقال أبو سفيان: فوالله لولا أن [١] يَأثُرُوا عليّ الكذب لكذبت. فسأله هرقل عن نسبه وصفته، فكان فيما ساممه أن قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في مُدة لا ندري ما هو صانع فيها- يعني بذلك الهدنة التي كانت قد [٢] وقعت بين رسول اللَّه وكفار قريق يوم الحديبية- على وضع الحرب بينهم عشر سنين، فاستدلوا بهذا على أن نصر الروم على فارس كان عام الحديبية، لأن قيصر إنما وفى بنذره بعد الحديبية، واللَّه أعلم.

ولأصحاب القول الأول أن يجيبوا عن هذا بأن بلاده كانت قد خربت وتشعثت، فما تمكن من وفاء نذره حتى أصلح ما ينبغي إصلاحه وتفقد بلاده، ثم بعد أربع سنين من نصرته وفي بنذره، واللَّه أعلم.

والأمر في هذا سهل قريب إلا أنه لما انتصرت [٣] فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين، فلما انتصرت الروم على فارس فرح المؤمنون بذلك، لأن الروم أهل كتاب في الجملة، فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس، كما قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ (*) أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ وقال تعالى هاهنا: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا صفوان، حدثنا الوليد، حدثني أسيد الكلالي، قال: سمعت العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه، قال: رأيت [] [٤] غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم، كل ذلك في خمس عشرة سنة.

وقوله: ﴿وَهُوَ الْعَزِيز﴾ أي: في انتصاره وانتقامه من أعدائه ﴿الرَّحِيمُ﴾ عباده المؤمنين.

وقوله: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ أي: هذا الذي أخبرناك به -يا محمد- من أنا سننصر الروم على فارس، وعد من اللَّه حق، وخَبَر صدق لا يخلف، ولابد من كونه ووقوعه؛ لأن اللَّه قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلتين إلى الحق، ويجعل لها العاقبة، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، أي: بحكم اللَّه في كونه وأفعاله المحكمة الجارية


[١]- سقط من: ز، خ.
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في ز، خ: "انتصر".
[٤]- ما بين المعكوفتين في ز: "قال: رأيت".