للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على وفق العدل.

وقوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ أي: أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها [١] وشئونها وما فيها، فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها، وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الآخرة، كأن أحدهم مُغَفّل لا ذهن له ولا فكرة.

قال الحسن البصري: واللَّه لَبَلَغَ من أحدهم بدنياه أنه يقلب الدرهم على ظفره، فيخبرك بوزنه، وما كحسن أن [٢] يصلي.

وقال ابن عباس في قوله: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾. يعني: الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال.

﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا إلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (١٠)

يقول تعالى منبهًا على التفكر في مخلوقاته، الدالة على وجوده وانفراده بخلقها، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ﴾ يعني به [٣]: النظر، والتدبر، والتأمل لخلق اللَّه الأشياء من العالم العلوي والسفلي، وما بينهما من المخلوقات المتنوعة، والأجناس المختلفة، فيعلموا أنها ما خلقت سُدًى ولا باطلًا، بل بالحق وأنها مؤجلة إلى أجل مسمًّى، وهو يوم القيامة، ولهذا قال: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾.

ثم نبههم على صدق رسله فيما جاءوا به عنه، بما أيدهم به من المعجزات و [٤] الدلالات الواضحات، من إهلاك من كفر بهم، ونجاة من صدقهم فقال: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: بأفهامهم وعقولهم ونظرهم وسماع أخبار الماضين، ولهذا قال: ﴿فَيَنْظُرُوا


[١]- في خ: "وأعبائها"، وفي ز: "أعسابها".
[٢]- سقط من: ز، خ.
[٣]- في خ، ز: "في".
[٤]- في خ، ز: "من".