للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أي: كانت الأمم الماضية والقرون السالفة أشد منكم -أيها المبعوث إليهم محمد وأكثر أموالًا وأولادًا، وما أوتيتم معشار ما أوتوا، ومُكنوا في الدنيا تمكينا لم تبلغوا إليه، وعمروا فيها أعمارًا طوالًا، فعمروها أكثر منكم. واستغلوها أمصر من استغلالكم، ومع هذا لما جاءتهم رسلهم بالبينات وفرحوا بما أوتوا، أخذهم اللَّه بذنوبهم، وما كان لهم من اللَّه من واق، ولا حالت أموالهم ولا أولادهم بينهم وبين باس اللَّه، ولا دفعوا عنهم مثقال ذرة، وما كان اللَّه ليظمهم فيما أحل بهم من العذاب والنكال، ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾، أي: وإنما أوتوا من أنفسهم حيث كذبوا بآيات اللَّه، واستهزءوا بها، وما ذاك إلا بسبب ذنوبهم السالفة، [في تكذيبهم] [١] المتقدم، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وقوله: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ وقال: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ وعلى هذا تكون [السوأى منصوبة مفعولا لأساءوا، وقيل: بل المعنى في ذلك: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾] [٢] أي: كانت السوأى عاقبتهم، لأنهم كذبوا بآيات اللَّه، وكانوا بها يستهزئون. فعلى هذا تكون السوأى منصوبة خبر كان.

هذا توجيه ابن جرير (١٢) ونقله في ابن عباس وقتادة. ورواه ابن أبي حاتم عنهما، وعن الضحاك بن مزاحم، وهو الظاهر، واللَّه أعلم. ﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾.

﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾

يقول تعالى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾، أي: كما هو قادر على بداءته فهو قادر على إعادته ﴿ثُمَّ إِلَيهِ تُرْجَعُونَ﴾، أي: يوم القيامة، فيجازي كل عامل بعمله.


(١٢) تفسير الطبري (٢١/ ١٨).