للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾، أي: يوم القيامة، إذا أراد كونه فلا راد له، ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أي: يتفرقون، ففريق في الجنة وفريق في السعير، ولهذا قال: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (٤٤) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: يجازيهم مجازاة الفضل: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى ما يشاء الله، ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾. ومع هذا هو العادل فيهم، الذي لا يجور.

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧)

يذكر تعالى نعمه على خلقه، في إرساله الرياح مبشرات بين يدي رحمته بمجيء الغيث عقيبها، ولهذا قال: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، أي: المطر الذي ينزله فيحيي به العباد والبلاد، ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ﴾ أي: في البحر وإنما سيرها بالريح، ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾، أي: في التجارات والمعايش، والسير من إقليم إلى إقليم، وقطر إلى قطر، ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، أي: تشكرون الله [١] على ما أنعم به عليكم من النعم الظاهرة والباطنة، التي لا تعد ولا تحصى.

ثم قال: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾، هذه تسلية من الله لعبده ورسوله محمد بأنه وإن كذبه كثير من قومه ومن الناس، فقد كُذبت الرسل المتقدمون [٢] مع ما جاءوا أممهم به من الدلائل الواضحات، ولكن الله انتقم ممن كذبهم وخالفهم، وأنجى المؤمنين بهم، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، هو حق أوجبه على نفسه الكريمة، تكرمًا وتفضلًا [٣]، كقوله تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن نفيل، حدثنا موسى بن أعين، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: "ما من امرئ مسلم يَرُدّ عن عرض أخيه، إلا كان حقًّا على الله أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة". ثم تلا هذه الآية:


[١]- في ز: "لله".
[٢]- في ز، خ: "المتقدمين".
[٣]- في ز، خ: "فضلًا".