للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا [أزلين قَنطين] من نزول المطر إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم جاءهم على فاقة فوقع منهم موقعًا عظيمًا.

وقد اختلف النحاة في قوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾، فقال ابن جرير: هو تأكيد. وحكاه عن بعض أهل العربية.

وقال آخرون: من قبل أن ينزل عليهم المطر، ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾، أي: الإِنزال ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾.

ويحتمل أن يكون ذلك من دلالة التأسيس، ويكون معنى الكلام: أنهم كانوا محتاجين إليه قبل نزوله، ومن قبله أيضًا قد فات عندهم نزوله وقتا بعد وقت، فترقبوه في إبانه فتأخر، فمضت مدة ثم ترقبوه [١] فتأخر، ثم جاءهم بغتة بعد الإياس منه والقنوط، فبعد ما كانت أرضهم مقشعرة هامدة، أصبحت وقد اهتزت وربت. وأنبتت من كل زوج بهيج. ولهذا قال: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ﴾، يعني: المطر، ﴿كَيفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾.

ثم نبه بذلك على إحياء الأجساد بعد موتها وتفرقها وتمزقها، فقال: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى﴾، أي: إن الذي فعل ذلك لقادر على إحياء الأموات، ﴿إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾، يقول: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه، فرأوه مصفرًّا، أي: قد اصفر وشرع في الفساد، ﴿لَظَلُّوا [٢] مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي: بعد هذا الحال، ﴿يَكْفُرُونَ﴾، أي: يجحدون ما تقدم من النعم، كما قال: ﴿أَفَرَأَيتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، حدثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: الرياح ثمانية، أربعة منها رحمه، وأربعة عذاب، فأما الرحمة: فالناشرات، والبشرات، والمرسلات، والذاريات. وأما العذاب: فالعقيم، والصرصر، وهما في البر، والعاصف، والقاصف، وهما في البحر.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عُبَيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي، حدثنا عبد الله بن عَيّاش، حدثني عبد الله بن سليمان [٣]، عن دراج، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : "الريح مسخره [٤] من


[١]- في ت: "فترقبوه".
[٢]- في ز، خ: "فظلوا".
[٣]- في خ، ز: "سلمان".
[٤]- في ز، خ: "سخر".