للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية -يعني: من [١] الأرض الثانية - فلما أراد الله أن يهلك عادًا، أمر خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا تهلك عادًا، فقال [٢]: يارب، أرسل عليهم من الريح قدر منخر الثور. قال له الجبار : لا، إذًا تكفأ الأرض وما عليها، ولكن أرسل عليهم بقدر خاتم، فهي التي قال الله في كتابه: [﴿مَا تَذَرُ مِنْ شَيءٍ أَتَتْ عَلَيهِ إلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾] [٣] ". هذا حديث غريب ورفعه منكر، والأظهر أنه من كلام عبد الله بن عمرو .

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣)

يقول تعالى: كما أنك ليس في قدرتك أن تسمع الأموات في أجداثها (*)، ولا تبلغ كلامك الصمّ الذين لا يسمعون، وهم مع ذلك مُدْبرُون عنك، كذلك لا تقدر [٤] على هداية العميان عن الحق، وردهم عن ضلالتهم، بل ذلك إلى الله تعالى، فإنه [٥] بقدرته يُسمع الأموات أصواتَ الأحياء إذا شاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، وليس ذلك لأحد سواه، ولهذا قال: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾، أي: خاضعون مستجيبون مطيعون، فأولئك هم الذين يستمعون الحق ويتبعونه، وهذا حال المؤمنين، والأول مثل الكافرين، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيهِ يُرْجَعُونَ﴾.

وقد استدلت أم المؤمنين عائشة بهذه الآية: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾، على توهيم عبد الله بن عمر في روايته مخاطبة النبي القتلى الذين ألقوا في [القليب] [٦] قليب بدر، بعد ثلاثة أيام، ومعاتبته إياهم، وتقريعه لهم، حتى قال له [٧] عمر: يا رسول الله، ما تخاطب من قوم قد جَيَّفُوا (**)؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يجيبون".

وتأولته عائشة على أنه قال: إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق.


(*) جمع جدث وهو القبر.
(**) أي أنتنوا. يقال: جافت الميتة وجيفت، واجتافت. والجيفة جثة الميت إذا أنتن.