للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا مقالته تقريعًا وتوبيخًا ونقمة.

والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه [١] كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححًا، عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله [٢] عليه روحه، حتى يرد عليه السلام" (٣٨).

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)

ينبه تعالى على تنقل الإِنسان في أطوار الخلق حالًا بعد حال، فأصله من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم يصير عظامًا، ثم يُكسى لحمًا، ويُنفخ فيه الروح، ثم يخرج من بطن أمه ضعيفا نحيفًا واهن القوى. ثم يشب قليلًا قليلًا حتى يكون صغيرًا، ثم حَدَثًا، ثم مراهقًا، ثم شابا. وهو [٣] القوة بعد الضعف، ثم يشرع في النقص، فيكتهل [٤] ثم بشيخ ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة، فتضعف الهمة والحركة والبطق، وتشيب اللمَّة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة ولهذا قال: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾، أي: يفعل ما يشاء، وبتصرف في عبيده بما يريد، ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.

قال الإمام أحمد (٣٩): حدثنا وكيع، عن فضيل [٥]، ويزيد، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي قال: قرأت على ابن عمر: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا﴾، ثم قال: قرأتُ على رسول الله كما قرأت علي، فأخذ علي كما أخذتُ عليك.

ورواه أبو داود، والترمذي - وحسَّنه - من حديث فضيل، به.

ورواه أبو داود من حددث عبد الله بن جابر، عن عطية، عن أبي سعيد، بنحوه (٤٠).


(٣٨) سيأتي تخريج الحديث عند تفسير الآية: ٤٢ من سورة الذاريات.
(٣٩) المسند (٢/ ٥٨)، وسنن أبي داود حديث (٣٩٧٨)، وسنن الترمذي حديث (٢٩٣٦).
(٤٠) سنن أبي داود حديث (٣٩٧٩).