تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾، قال: هو - والله - الغناءُ.
قال ابن جرير: حدثني يونس [بن عبد الأعلى][١]، أخبرنا ابن وهب، أخبرني يزيد عن [٢] يونس، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، أنه سمع عبد الله بن مسعود - وهو يسأل عن هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ - فقال عبد الله: الغناء، والله الذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات.
حدثنا عمرو بن علي، حدثنا صفوان بن عيسى، أخبرنا حميد الخراط، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن الي الصهباء، أنه سأل ابن مسعود عن قول الله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾، قال: الغناء (١).
وكذا قال ابن عباس، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن شعيب، وعلي بن بذيمة.
وقال الحسن البصري: أنزلت هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ﴾ في الغناء والمزامير.
وقال قتادة: قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ﴾: والله لعله لا ينفق فيه مالًا، ولكن شراؤه استحبابه، بحَسْب المرء من الضلالة أن يختارَ حديثَ الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع.
وقيل: عنى بقوله: ﴿يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ اشتراء المغنيات من الجواري.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا وكيع، عن خلاد
(١) - إسناده صحيح، وقد ورد من غير وجه عن سعيد بن جبير عن، أبي الصهباء به. كما أخرجه ابن جرير وغيره. وأبو الصهباء هو صهيب مولى ابن عباس، وثقه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في ثقاته، وأخرج له مسلم، وقال النسائي: ضعيف. وقال الحافظ: مقبول. قلت: وكلام أهل الجرح والتعديل يجعل النفس غير مطمئنة لتصحيح حديثه إذا انفرد، وهذا مقتضى كلام الحافظ؛ فمقبول يعني عن المتابعة وإلا فلين كما هو معروف، ولكنا صححنا هذا الإسناد لأن هذا خبر في ابن مسعود وليس عن رسول الله ﷺ، ولا سيما أن ورد هذا القول عن ابن عباس، وجابر، وعكرمة وغيرهم من الصحابة والتابعين، ولأن هذه الطبقة يتساهل معها ما لم يتساهل مع غيرها. لأنهم لازموا خير القرون، فهذا يجبر ما كان بهم من ستر، والله أعلم.