للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يبين سبحانه بهذا قدرته العظيمة على خلق السماوات والأرض، وما فيهما وما بينهما، فقال: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيرِ عَمَدٍ﴾، قال الحسن وقتادة: ليس لها عُمُد مرئية ولا غير مرئية.

وقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد: لها عمد لا ترونها. وقد تقدم تقروو هذه المسألة في أول "سورة الرعد" بما أغنى [١] عن إعادته.

﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾، يعني: الجبال أرست الأرض وثقلتها؛ لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء، ولهذا قال: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾، أي: لئلا تميد بكم.

وقوله: ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾، أي: وذرأ فيها من أصناف الحيوانات مما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها.

ولما قرر أنه الخالق، نبه على أنه الرازق بقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾، أي: من كل زوج من النبات كريم، أي: حسن المنظر.

وقال الشعبي: والناس أيضًا من نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.

وقوله: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾، أي: هذا الذي ذكره تعالى من خلق السماوات والأرض وما بينهما، صادر عن فعل الله وخلقه وتقدره، وحده لا شريك له في ذلك، ولهذا قال: ﴿فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾، أي: مما تعبدون وتدعون [٢] من الأصنام والأنداد، ﴿بَلِ الظَّالِمُونَ﴾، يعني: المشركين بالله العابدين معه غيره، ﴿فِي ضَلَالٍ﴾، أي: جهل وعمى، ﴿مُبِينٍ﴾، أي: واضح ظاهر لا خفاء به.

﴿وَلَقَدْ آتَينَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)

اختلف السلف في لقمان هل كان نبيًّا، أو عبدًا صالحًا من غير نبوة؟ على قولين، الأكثرون على الثاني.

وقال سفيان الثوري، عن الأشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان لقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا.


[١]- في ز: "يغني".
[٢]- سقط من: ز.