يقول تعالى منبهًا خلقه على نعمه عليهم في الدنيا والآخرة، بأنه [١] سخر لهم ما في السماوات من نجوم يستضيئون بها في ليلهم ونهارهم، وما يحلق فيها من سحاب وأمطار وثلج وبرد، وجعْلُه إياها لهم [٢] سقفًا محفوظًا؛ وما خلق لهم في الأرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار. وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، من إرسال الرسل وإنزال الكتب، وإزاحة الشبهة [٣] والعلل، ثم مع هذا كله ما آمن الناس كلهم، بل منهم من يجادل في الله، أي: في توحيده وإرسال الرسل. ومجادلته في ذلك بغير علم [ولا مستند من حجة صحيحة، ولا كتاب مأثور صحيح، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ][٤] وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾، أي: مبين مضئ.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ﴾، أي: لهؤلاء المجادلين في توحيد الله: ﴿اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، أي: على رسوله من الشرائع المطهرة، ﴿قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيهِ آبَاءَنَا﴾، أي: لم يكن لهم حجة إلا اتباع الآباء الأقدمين، قال الله: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾، أي: فما ظنكم أيها المحتجون بصنيع آبائهم، أنهم كانوا على ضلالة، وأنتم خلف لهم فيما كانوا فيه؛ ولهذا قال: ﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾.