للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: لو كان ذلك البحر مدادًا لكلمات الله، والأشجار [١] كلها أقلامًا، لانكسرت الأقلام، وفني ماء البحر، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء، لأن أحدًا لا يستطيع أن يقدر قدره، ولا يثني عليه كما ينبغي، حتى يكون هو الذي يثني على نفسه، إن ربنا كما يقول، وفوق ما نقول.

وقد روي أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود، قال ابن إسحاق: حدثني ابن أبي محمد، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس: أن أحبار يهود قالوا لرسول الله بالمدينة: يا محمد، أرأيت قولك: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلا قَلِيلًا﴾ إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول الله : "كُلًّا"، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل [٢] شيء؟ فقال رسول الله : "إنها في علم الله قليل، وعندكم من [٣] ذلك ما يكفيكم". وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ … ﴾ الآية.

وهكذا روي عن عكرمة، وعطاء بن يسار: وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية لا مكية، والمشهور أنها مكية، والله أعلم.

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، أي: عزيز قد عز كل شيء وقهره وغلبه، فلا مانع لما أراد، ولا مخالف [٤]، ولا معقب لحكمه، ﴿حَكِيمٌ﴾ في خلقه وأمره، وأقواله وأفعاله، وشرعه وجميع شئونه.

وقوله: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، أي: ما خَلْق جميع الناس وبعثهم يوم المعاد - بالنسبة إلى قدرته - إلا كنسبة خلق [٥] نفس واحدة، الجميع هيِّن عليه، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿وَمَا أَمْرُنَا إلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ أي: لا يأمر بالشئ إلا مرة واحدة، فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكرره وتوكده. ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾.

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾، أي: كما هو سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم، كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة، كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة؛ ولهذا قال: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ


[١]- في ز: "الشجر".
[٢]- في ز: "كل".
[٣]- في ز: "في".
[٤]- في ز: "يخالف".
[٥]- سقط من: ز.