يقول تعالى مخبرًا عن عظمته وكبريائه وجلاله، وأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وكلماته التامة التي لا يحيط بها أحد، ولا اطلاع لبشر على كنهها وإحصائها، كما قال سيد البشر وخاتم الرسل:"لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"(٧١). فقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾، [أي: ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلامًا، وجعل البحر مدادًا ومَدَّه سبعة أبحر][١] معه، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله لتكسرت [٢] الأقلام، ونفد ماء البحر، ولو جاء أمثالها مدَدًا.
وإنما ذكرت "السبعة" على وجه المبالغة، ولم يرد الحصر ولا أن [٣] ثم سبعة أبحر موجودة تحيط بالعالم، كما يقوله من تلقاه من كلام الإسرئيليين التي لا تصدق ولا تكذب، بل كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾، فليس المراد بقوله: ﴿بِمِثْلِهِ﴾ آخر فقط، بل بمثله ثم بمثله [ثم بمثله][٤]، ثم هلمَّ جرًّا؛ لأنه لا حصر لآيات الله وكلماته.
وقال الحسن البصري: لو جعل شجر الأرض أقلامًا، وجعل البحر مدادًا، و [٥] قال الله: إن من أمري كذا، ومن أمري كذا. لنفد ما في البحور، وتكسرت الأقلام.
وقال قتادة: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد. فقال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ﴾. أي: لو كان شجر الأرض أقلامًا، ومع [٦] البحر سبعة أبحر، ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه.
وقال الربيع بن أنس: إن مثل علم العباد كلهم في علم الله كقطرة من ماء البحور كلها، وقد أنزل الله ذلك: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ … ﴾ الآية.