للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باطل، فإنه الغني عما سواه، وكل شيء فقير إليه، لأن كل ما في السماوات والأرض الجميع خلْقُه وعبيدُه، لا يقدر أحد منهم على تحريك ذَرة إلا بإذنه، ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابًا لعجزوا عن ذلك. ولهذا قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾، [أي:] [١] العليّ: الذي لا أعلى منه، الكبير: الذي هو أكبر من كل شيء، فكل شيء خاضع حقير بالنسبة إليه.

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)

يخبر تعالى أنه هو الذي سَخَّر البحر لتجري فيه الفلك بأمره، أي: بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما جعل في الماء من [٢] قوة يحمل بها السفن لما جرت، ولهذا قال: ﴿لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ﴾، أي: من [٣] قدرته، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾، أي: صبار في الضراء، شكور في الرخاء.

ثم قال: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ﴾، أي: كالجبال والغمام ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلا إِيَّاهُ﴾ وقال: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ثم قال: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾، قال مجاهد: أي كافر. كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾. وقال ابن [٤] زيد: هو المتوسط في العمل، وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ﴾ فالمقتصد هاهنا هو: المتوسط في العمل، ويحتمل أن يكون مرادًا هنا أيضًا، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام، والآيات الباهرات في البحر، ثم بعد ما أنعم الله عليه من الخلاص، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام، والدءوب في العبادة، والمبادرة إلى الخيرات. فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرًّا والحالة هذه، والله أعلم.


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٢]- سقط من: ز.
[٣]- سقط من: ز.
[٤]- في ت: "أبو".