للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾، فالختار: هو الغَدَّار [١]. قاله مجاهد، والحسن، وقتادة، ومالك، عن زيد بن أسلم، وهو الذي كلما عاهد نقض عهده، والختر: أتم الغدر وأبلغه، قال عمرو بن معد يكرب:

وإنَّك لو رَأيتَ أبا عُميرٍ … مَلأتَ يَدَيك مِن غَدرٍ وخَتر

وقوله: ﴿كَفُورٍ﴾ أي: جحود للنعم لا يشكرها، بل يتناساها ولا يذكرها.

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣)

يقول تعالى منذرًا للناس يوم المعاد، وآمرًا لهم بتقواه والخوف منه، والخشية من [٢] يوم القيامة حيث ﴿لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ﴾ أي: لو أراد أن يفديه بنفسه لما قُبِل منه [٣]. وكذلك الولد لو أراد فداء والده بنفسه لم يقبل منه.

ثم عاد بالموعظة عليهم بقوله: ﴿فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾، [أي: لا تلهينكم بالطمأنينة فيها عن الدار الآخرة] [٤]، ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾، يعني: الشيطان. قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة. فإنه يغر بن آدم ويعدُه ويمنيه، وليس من ذلك شيء، بل كما قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إلا غُرُورًا﴾.

قال وهب بن منبه: قال عزير : "لما رأيت بلاء قومي اشتد حزني وكثر همي، وأرق نومي، فضرعت [٥] إلى ربى وصليت وصمت، فأنا في ذلك أتضرع وأبكي؛ إذ أتاني الملك، فقلت له: أخبرني، هل تشفع أرواح المصدقين للظلمة، أو الآباء لأبنائهم؟ قال: إن القيامة فيها فصل القضاء وملك ظاهر، ليس فيه رخصة، لا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الرحمن، ولا يؤخذ فيه والد عن ولده، ولا ولد عن والده، ولا أخ عن أخيه، ولا عبد عن سيده، ولا يهتم أحد [بهم غيره] [٦]، ولا يحزن لحزنه، ولا أحد يرحمه، كل مشفق على نفسه، ولا يؤخذ إنسان عن إنسان، كل يَهُم همه، ويبكي عَوله، ويحمل وزره، ولا يحمل وزره معه غيره". رواه ابن أبي حاتم.


[١]- في ز: "العذاب".
[٢]- سقط من: خ.
[٣]- سقط من: ز.
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٥]- في ز: "تضرعت".
[٦]- ما بين المعكوفتين في ت: "بغيره".