للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾. وقال هاهنا: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَينَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾.

﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، أي: من الصنفين، فدارهم النار لا محيد لهم عنها، ولا محيص لهم منها، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك.

﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾، أي: يقال لأهل النار -على سبيل التقريع والتوبيخ-: ذوقوا العذاب بسبب تكذيبكم به، واستبعادكم وقوعه، وتناسيكم له، إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له، ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾، أي: سنعاملكم معاملة الناسي، لأنه تعالى [لا ينسى شيئًا، و] [١] لا يضل عنه شيء، بل من باب المقابلة، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ [٢] نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾.

وقوله: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي: بسبب [كفرهم وتكذيبهم] [٣]، كما قال في الآية الأخرى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيءٍ أَحْصَينَاهُ كِتَابًا (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلا عَذَابًا﴾.

إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾، أي: إنما يصدق بها ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا﴾، أي: استمعوا لها وأطاعوها قولًا وفعلًا، ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عن اتباعها والانقياد لها، كما يفعله الجهلة من الكفرة الفجرة؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

ثم قال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾، يعني بذلك قيام الليل، [وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة. قال مجاهد والحسن في قوله تعالى ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ﴾


[١]- ما بين المعكوفتين سقط من: ز، خ.
[٢]- في ز، خ: "فاليوم".
[٣]- في ت: "كفركم وتكذيبكم".