للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧)

هذه إحدى الآيات الثلاث التي [١] لا رابع لهن، مما أمر الله رسوله أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعاد لمَّا أنكره من أنكره من أهل الكفر والعناد، فإحداهن في "سورة يونس": ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾، والثانية هذه: ﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾: والثالثة في "التغابن" ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، فقوله: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾، ثم وصفه بما يؤكد ذلك ويقرره: ﴿عَالِمِ الْغَيبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.

قال مجاهد وقتادة: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ﴾، لا يغيب عنه، أي: الجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى [٢] عليه منه شيء فالعظام -وإن تلاشت وتفرقت وتمزقت- فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت، ثم يعيدها كما بدأها أول مرة، فإنه بكل شيء عليم.

ثم بين حكمته في إعادة الأبدان وقيام الساعة بقوله: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [٣]﴾، أي: سعوا في الصد عن سبيل الله وتكذيب رسله، ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ﴾، أي: لينعم السعداء من المؤمنين، ويعذب الأشقياء من الكافرين، كما قال: ﴿لَا يَسْتَوي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾.

وقوله: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾، هذه حكمة أخرى معطوفة على التي قبلها. وهي أن المؤمنين بما أنزل على الرسل إذا شاهدوا قيام الساعة


[١]- في ز: "اللاتي".
[٢]- في ت: "تخفى".
[٣]- في ز: "معجرين".