للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومجازاة الأبرار والفجار بالذي [١] كانوا قد علموه من كتب الله في الدنيا رأوه حينئذ عين اليقين، ويقولون يومئذ أيضًا: ﴿لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾، ويقال أيضًا: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾، ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ - العزيز هو: المنيع الجناب، الذي لا يُغالب ولا يُمَانَع، بل قد قهر كل شيء، الحميد في جميع أقواله وأفعاله [٢] وشرعه وقدره، وهو المحمود في ذلك كله.

﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩) وَلَقَدْ آتَينَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠)

هذا إخبار من الله عن استبعاد الكفرة الملحدين قيامَ الساعة واستهزائهم بالرسول في [٣] إخباره بذلك: ﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾، أي: تفرقت أجسادكم في الأرض وذهبت فيها كل مذهب، وتمزقت كل ممزق: ﴿إِنَّكُمْ﴾، أي: بعد هذا الحال ﴿لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾، أي: تعودون أحياء ترزقون بعد ذلك. وهو في هذا الإخبار لا يخلو أمره من قسمين: إما أن يكون قد تعمد الافتراء على الله أنه قد أوحى إليه ذلك. أو أنه لم يتعمد لكن لُبّس عليه كما يُلَبَّس على المعتوه والمجنون؛ ولهذا قالوا: ﴿أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ﴾؟ قال الله تعالى رادًّا عليهم: ﴿بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾، أي: ليس الأمر كما زعموا ولا كما ذهبوا إليه، بل محمد هو الصادق البار الراشد الذي جاء بالحق، وهم الكذبة الجهلة الأغبياء، ﴿فِي الْعَذَابِ﴾، أي: الكفر المفضي بهم إلى عذاب الله، ﴿وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ﴾، من الحق في الدنيا.

ثم قال منبهًا لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض- فقال: ﴿أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَينَ أَيدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾، أي: حيثما توجهوا وذهبوا فالسماء مُظلة مظللة عليهم، والأرض تحتهم، كما قال: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا


[١]- في ز: "الذي".
[٢]- في ز: "وأقواله".
[٣]- في ز: "و".