للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس عند ذلك أن الجن كانوا يكذبونهم ولو أنهم علموا الغيب؛ لعلموا بموت سليمان، ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنة، وذلك قول الله ﷿: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾، يقول: تبين أمرهم للناس أنهم كانوا يكذبونهم، ثم إن الشياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام، ولو كنت تشربين [١] الشراب سقيناك أطيب الشراب، ولكنا سننقل إليك الماء والطين -قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت- قال: ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب؟ فهو ما تأتيها به الشياطين، شكرًا لها (٨).

وهذا الأثر -والله أعلم- إنما هو مما تلقي من علماء أهل الكتاب، وهي وَقفٌ، لا يصدق منها إلا ما وافق الحق، ولا يكذب منها إلا ما خالف الحق، والباقي لا يصدق ولا يكذب.

وقال ابن وهب وأصبغ بن الفرج، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾، قال: قال سليمان لملك الموت: إذا أمرتَ بي فأعلمني فأتاه فقال: يا سليمان؛ قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعة؟ فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحًا من قوارير، وليس له [٢] باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت، فقبض روحه وهو متوكئ على عصاه، ولم يصنع ذلك فرارًا من ملك الموت- قال: والجن يعملون بين يديه وينظرون إليه، يحسبون أنه حي. قال: فبعث الله ﷿ دابة الأرض، قال: والدابة تأكل العيدان -يقال لها: القادح- فدخلت فيها فأكلتْها، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت، وثقل عليها فخر ميتًا، فلما رأت ذلك الجن انفضوا [٣] وذهبوا، قال: فذلك قوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾.

قال أصبغ: بلغني عن غيره أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر.

وقد ذكر غير واحد من السلف نحوا من هذا، [والله أعلم] [٤].

﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ سَيلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيهِمْ جَنَّتَينِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذَلِكَ جَزَينَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إلا الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنَا بَينَهُمْ وَبَينَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا


(٨) تفسير الطبري (٢٢/ ٧٥ - ٧٦).