للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلف، منهم قتادة: أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل، وهو الذي تخترف فيه الثمار، فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه [١] من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قُطَّاف، لكثرته ونضجه واستوائه. وكان هذا السد بمأرب: بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل، ويعرف بسد مأرب.

وذكر آخرون أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث، ولا شيء من الهوام، وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج وعناية اللَّه بهم، ليوحدوه ويعبدوه، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإ فِي مَسْكَنِهِمْ [٢] آيَةٌ﴾، ثم فسرها بقوله: ﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾، أي: من ناحيتَيْ [٣] الجبلين والبلدة بين ذلك، ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾، أي: غفور لكم إن استمررتم [٤] على التوحيد.

وقوله: ﴿فَأَعْرَضُوا﴾، أي: عن توحيد اللَّه وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشمس، كما قال هدهد سليمان: ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإ بِنَبَإ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعْمَالهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾.

وقال محمد بن إسحاق، عن وهب بن مُنبه: بعث اللَّه إليهم ثلاثة عشر نبيًّا.

وقال السّدّي: أرسل اللَّه إليهم اثني عشر ألف نبي. واللَّه أعلم.

وقوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ سَيلَ الْعَرِمِ﴾، قيل المراد بالعرم المياه. وقيل: الوادي. وقيل: الجُرَذ: وقيل الماء الغزير. فيكون من باب إضافة الاسم إلى صفته، مثل: "مسجد الجامع" و "سعيد [٥] كُرْز"، حكى ذلك السهيلي.

وذكر غير واحد منهم ابن عباس، ووهب بن منبه، وقتادة، والضحاك: أن اللَّه ﷿ لما أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم، بعث على السد دابة من الأرض، يقال لها: "الجُرَذ" نقبته [٦]. قال وهب بن منبه: وقد كانوا يجدون في كتبهم أن سبب خراب هذا السد هو الجُرذ فكانوا يرصدون عنده السنانير برهة من الزمان، فلما جاء القدر غلبت الفأر السنانير، وولجت إلى السَّدّ فنقبته، فانهار عليهم.

وقال قتادة وغيره: الجُرَذ: هو الخَلْد، نقبت أسافله حتى إذا ضَعف ووَهَى، وجاءت أيام


[١]- في خ: "علاه".
[٢]- في ز: "مساكنهم".
[٣]- في ز: "ناحية".
[٤]- في ز: "استمريتم".
[٥]- في ز: "معبد".
[٦]- في ز: "نقبت".