للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن عبد الوهاب، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين؛ قال: كان رجلان شريكين [١]، خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر، فلما بعث النبي كتب إلى صاحبه يسأله: ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم. قال: فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال: دلني عليه -قال: وكان يقرأ الكتب، أو بعض الكتب- قال: فأتى النبي فقال: إلام تدعو؟ فقال: إلى كذا وكذا. قال: أشهد أنك رسول الله. قال: "وما علمك بذلك؟ " قال: إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رُذَالة الناس ومساكينهم. قال: فنزلت هذه الآية: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إلا قَال مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾، قال: فأرسل إليه النبي : إنّ الله قد أنزل تصديق ما قلت.

وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل، قال فيها: وسألتك: أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم؟ فزعمت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل.

وقوله تعالى إخبارًا عن المترفين المكذبين: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾، أي: افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك. قال الله: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. وقال: ﴿فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾.

وقد أخبر الله عن صاحب تينك الجنتين؛ أنه كان ذا مال وولد وثمر، ثم لم تُغن عنه شيئًا، بل سُلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا قال تعالى هاهنا: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ أي يعطي المال لمن يحب ومن لا يحب، فيفقر من يشاء ويغني من يشاء، وله الحكمة التامة البالغة والحجة الدامغة القاطعة ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

ثم قال: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى﴾ أي: ليست هذه دليلًا على محبتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم.

قال الإمام أحمد (٣١): حدثنا كُثير، حدثنا جعفر، حدثنا يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إن الله لا ينظر إلى


(٣١) المسند (٢/ ٥٣٩)، وصحيح مسلم وكتاب البر والصلة، والآداب، حديث (٢٥٦٤)، وسنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب: القناعة حديث (٤١٤٣).