للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

رواه مسلم وابن ماجة، من حديث كثير بن هشام، عن جعفر بن بُرْقَان [١] به.

ولهذا قال: ﴿إلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، أي: إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح، ﴿فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا﴾، أي: تضاعف لهم الحسنة بعشر [٢] أمثالها، إلى سبعمائة ضعف. ﴿وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾. [أي: في منازل الجنة العالية آمنون] [٣] من كل بأس وخوف وأذى، ومن كل شر يُحَذر منه.

قال ابن أبي حاتم (٣٢): حدثنا أبي، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي، حدثنا القاسم وعلي بن مُسهر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي قال: قال رسول الله : "إن في الجنة لَغرفًا ترى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها". فقال أعرابي: لمن هي؟ قال: "لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام".

﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [٤]﴾، أي: يسعون في الصد عن سبيل الله، واتباع الرسل والتصديق بآياته: ﴿أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾، أي: جميعهم مَجْزيون [٥] بأعمالهم فيها بحسبهم.

وقوله: ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾، أي: بحسب مَاله في ذلك من الحكمة، [يبسط على هذا من المال كثيرًا، ويضيق على هذا ويقتر عليه رزقه جدًّا، وله في ذلك من الحكمة] [٦] ما لا يدركها غيره، كما قال تعالى: ﴿انْظُرْ كَيفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾، أي: كما هم متفاوتون في الدنيا: هذا فقير مدقع، وهذا غنى مُوَسَّع عليه، فكذلك هم في الآخرة: هذا في الغُرفات في أعلى الدرجات، وهذا في الغَمرَات في أسفل الدركات. وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله : "قد أفلح من أسلم ورُزق كَفَافًا، وقَنَّعه الله بما آتاه". رواه مسلم من حديث ابن عمرو (٣٣) [٧].


(٣٢) ورواه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في قول المعروف، حديث (١٩٨٤) من طريق على ابن مسهر، عن عبد الرحمن بن إسحاق بأطول منه، وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق، وقد تكلم أهل الحديث في عبد الرحمن بن إسحاق هذا من قبل حفظه وهو كوفي". قلت: وله شواهد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي مالك الأشعري، .
(٣٣) صحيح مسلم، كتاب الزكاة حديث (١٠٥٤).