للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَهِيدٌ (٤٧)﴾.

يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون: ﴿إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾، أي: إنما آمركم بواحدة، وهي: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾، أي: تقوموا قيامًا خالصًا لله، من غير هوى ولا عصبية، فيسأل بعضكم بعضًا: هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضًا، ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾، أي: ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد ويسأل غيوه من الناس عن شأنه إن أشكل عليه، ويتفكر في ذلك، ولهذا قال: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾.

هذا معنى ما ذكره مجاهد، ومحمد بن كعب، والسدي، وقتادة، وغيرهم، وهذا هو المراد من الآية. فأما الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم:

حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة: أن رسول الله كان يقول: "أعطيت ثلاثًا لم يعطهن مَن قبلي ولا فخر: أحلت لي الغنائم، ولم تحل لمن قبلي، كانوا قبلي يجمعون غنائمهم فيحرقونها. وبُعثت إلى كل أحمر وأسود، وكان كل نبي يبعث إلى قومه، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، أتيمم بالصعيد، وأصلي حيث أدركتني الصلاة، قال الله: ﴿أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ وأعنت بالرعب مسيرة شهر بين يدي".

فهو حديث ضعيف الإسناد، وتفسير الآية بالقيام في الصلاة في جماعة وفرادى، بعيد، ولعله مقحم في [١] الحديث من بعض الرواة، فإن أصله ثابت في الصحاح وغيرها (٣٩)، والله أعلم.

وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ - قال البخاري عندها (٤٠):

حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا محمد بن خَازم [٢]، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صَعدَ النبي الصفا ذات يوم، فقال: يا صباحاه! فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتم لو [٣] أخبرتكم أن العدو يُصَبِّحكم أو يُمَسِّيكم، أما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى؟ قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب


(٣٩) سبق تخريج حديث جابر، ، في الصحيحين عند تفسير الآية: ٢٨ من هذه السورة.
(٤٠) صحيح البخاري، كتاب التفسير حديث (٤٨٠١).