للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل إذا أنا بعنز، وإذا قوم [١] قد أخذوا بقوائمها، وإذا رجل قد أخذ بقرنيها، وإذا رجل قد أخذ بذنَبها، وإذا رجل قد ركبها، وإذا رجل يحلبها. فقال: أما العنز فهي الدنيا، والذين أخذوا بقوائمها يتساقطون من عيشها، وأما الذي قد أخذ بقرنيها فهو يعالج من عيشها ضيقًا، وأما الذي أخذ بذنبها فقد أدبرت عنه، وأما الذي [٢] ركبها فقد تركها. وأما الذي يحلبها فَبخٍ بخ، ذهب ذلك بها.

قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج لي السبيل، و [٣] إذا أنا برجل يمْتح على قَليب، كلما أخرج دلوه صبَّه في الحوض، فانساب الماء راجعًا إلى القليب. قال: هذا رجل رَدّ الله صالح عمله، فلم يقبله.

قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج لي السبيل، إذا أنا برجل يبذُر بذرًا فيستحصد، فإذا حنطة طيبة. قال: هذا رجل قبل الله صالح عمله، وأزكاه له.

قال: ثم أقبلت حتى إذا انفرج بي السبيل، إذا أنا برجل مستلق على قفاه، قال [٤]: يا عبد الله، ادن مني فخذ بيدي واقعدني، فوالله ما قعدت منذ خلقني الله ﷿ فأخذت بيده، فقام يسعى حتى ما أراه. فقال له الفتى: هذا عمر الأبعد نَفَد، أنا [٥] ملك الموت [وأنا المرأة التي أتتك] [٦] … أمرني الله ﷿ بقبض روح الأبعد في هذا المكان، ثم أصيره [٧] إلى نار جهنم. قال: ففيه نزلت هذه: ﴿وَحِيلَ بَينَهُمْ وَبَينَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ الآية.

هذا أثر غريب (٤٦)، وفي صحته نظر، وتنزيل الآية عليه وفي حقه بمعنى أن الكفار كلهم يتوفون [٨] وأرواحهم متعلقة بالحياة الدنيا، كما جرى لهذا المغرور المفتون، ذهب بطلب [٩] مراده فجاءه الموت فجأة بغتة، وحيل بينه وبين ما يشتهي.

وقوله: ﴿كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ﴾، أي: كما جرى للأمم الماضية المكذبة للرسل، لما جاءهم بأس الله تمنوا أن لو آمنوا فلم يقبل منهم، ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾.


(٤٦) الأثر ذكره السيوطي في الدر المنثور (٦/ ٧١٦) وعزاه لابن أبي حاتم.