للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾، أي: ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾، أي: ذكرًا وأنثى، لطفًا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجًا من جنسكم، لتسكنوا إليها.

وقوله: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ﴾، أي: هو عالم بذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيء، بل ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إلا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.

وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ﴾، إلى قوله: ﴿الْمُتَعَالِ﴾.

وقوله: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ﴾،، أي: ما يعطى بعض النطف من العمر الطول يعلمه، وهو عنده في الكتاب الأول، ﴿وَمَا يَنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ﴾ [الضمير عائد] [١] على الجنس، لا على العين، لأن العين الطويل العمر في الكتاب وفي [٢] علم الله لا ينقص من عمره، وإنَّما عاد الضمير على الجنس.

قال ابن جرير: وهذا كقولهم: "عندي ثوب ونصفه"، أي: ونصف آخر.

وروى من طريق العَوْفى، عن ابن عباس (١٣) في قوله: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، يقول: ليس أحد قضيت له طول عُمُر وحياة إلَّا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك] [٣] له، فإنما ينتهى إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قَضَيتُ له أنَّه قصير العمر والحياة يبلغ العمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له، فذلك قوله: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾، يقول: كل ذلك في كتاب عنده. وهكذا قال الضحاك بن مزاحم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: ﴿وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ﴾، قال: ما لَفَظت الأرحام من الأولاد من غير تمام. وقال عبد الرحمن في تفسيرها: ألا ترى الناس، يعيش من الإنسان مائة سنة، وآخر يموت حين يولد، فهذا هذا. وقال قَتَادة: والذي ينقص من عمره: فالذي يموت قبل ستين سنة. وقال مجاهد: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ﴾، أي: في بطن أمه يكتب له ذلك، لم يخلق الخلق على عمر واحد، بل [٤] لهذا عمر، ولهذا عمر هو انقص من عمره، وكل ذلك مكتوب لصاحبه، بالغ ما بلغ.


(١٣) - تفسير الطبري (٢٢/ ١٢٢).